في إطار سرد قضية بليغ حمدي التي حولت حياته لمحنة قاسية، ننشر الحلقة (3)، بعدما سردنا في الحلقة (1) و (2) إلى الخيوط التي توصلت إليها النيابة العامة واستدعاء الشهود الأقرب للواقعة الذي حضروا الحفل الذي وقعت في نهايته الجريمة.
في 25 ديسمبر 1984 تمكنت أجهزة البحث من معرفة هوية أربعة أشخاص استمروا لنهاية الحفل في شقة “بليغ”، بالإضافة لمعرفة هوية شخصية عربية لم تُذكر خلال التحقيقات، ولم يرد اسمها.
وعد بالزواج
وعد السعودي عبد الله سالم الفتاة المغربية سميرة مليان بالزواج، بعدما التقوا أكثر من مرة، اتفقا على 50 ألف جنيه مقدم صداق، لكنه حنث وعده، وتزوج من سيدة مغربية أخرى، واحتفل في كازينو “الليل”.
صُدمت “سميرة”، تشاجرت ليلة الحفل في “الليل”، انفعل “السعودي” وألغى حفل الزفاف، وتدخل “بليغ” واتفقوا على أن يقام حفل للصلح بينهما بدلًا من التي ألغيت.
جهّز الموسيقار “بليغ” الحفل في شقته، ليوفي “السعودي” بوعده ويتم الحفل، لكن “سميرة” فوجئت بأنه انصرف لغرفة نومه، وغادر بعض الضيوف، دون أن يحدث ما اتفقوا عليه.
في سياق هذه المعلومات، رجحت النيابة العامة أنها أحست بالرفض وعدم الاهتمام وهو ما دفعها للتفكير في الانتحار أو أن شخص ما دفعها من الشرفة.
بدأت المباحث في التحري عن أقوال “موسيقي” حضر حفل كازينو “الليل” وكان حاضرًا في حفل شقة بليغ حمدي وكشف في أقواله حسبما نشرت “الأهرام” 25 ديسمبر 1984، أن شخصية سعودي آخر واسمه عبد المجيد حضر بصحبة “سميرة” وبرفقتهما صديقتان من المغاربة وأنه يستضيف المغربيات الثلاث بمسكنه بمنطقة المهندسين وبقى مع السيدات حتى نهاية السهرة بمفرده عقب انصراف المدعوين ثم اختفى وتبين بعدها أنه غادر البلاد.
الشخصيات التي حضرت الحفل
بعد ثمانية أيام من البحث والتقصي، توصلت مباحث الجيزة، إلى ان الشخصيات الذين حضروا الحفل 16 شخصا، بينهم 6 مغاربة وسيدة جزائرية وابنتها وسعوديين وستة مصريين أحدهم موسيقي بالإضافة إلى سميرة مليان التي تأكد أنها كانت تقيم في ضيافة السعودي الشيخ عبد المجيد محمد في شقته بالعجوزة “شارع الجزائر” منذ وصولها إلى القاهرة في 14 ديسمبر 1984.
حضرت “سميرة” الحفل، وانصرف الضيوف، ودخل “بليغ” حجرته للنوم، وفي الـ6 صباحا فوجئ الجميع بالحادث، وسفر الثري السعودي.
أقام 3 من أصدقاء “سميرة” وزوجاتهم مع “عبد المجيد”، وجميعهم من عائلة “تاز” المغربية، إذ كانوا يسكنون بالقرب منه، في الشقة المجاورة لمسكنه بنفس العمارة.
في 7 ديسمبر، حضرت الفتاة المغربية حفل توديع عائلة “تاز” وحضر معهم “عبد المجيد” ورجل أعمال سعودي يدعى عبد الله محمد الصعيدي، وحضر الشاعر الجزائرية لويزا علام ووالدتها ودتي سعادات بناء على اتفاق مع “بليغ” ليطلع على أعمال كانت “لويزا” قد طلبت عرضها عليه.
أما الـ4 شخصيات المصريين الذين حضروا الحفل، كان من بينهم الموسيقي يسري حسن الحامولي بالإضافة للمسرحي بهجت قمر وكامل بيطار.
توصلت المباحث، أن الشخصيات انصرفوا قرب الساعة الرابعة فجرا، من بينهم الشاعر الجزائرية ووالدتها، وعرض عليهما “عبد المجيد” أن يستضيفهم في شقة استأجرها بمنطقة “الهرم”.
انصرف “بليغ” للنوم، لارتباطه بعمل فني، وطلب من الموسيقي أن ينصرف حتى يمكنه الحضور مبكرا لتسجيل أغنية جديدة للفنانة نجاة الصغيرة، ولم يتبق في المنزل سوى “عبد المجيد” و “ٍسميرة” ودار بينهما نقاش حاد في غرفة الضيوف بعدما رفضت الانصراف معه، وهددته بإلقاء نفسها من الشرفة لإنهاء حياتها وتجلب له فضيحة إذا لم يتركها ويغادر، ثم سارعت وألقت بنفسها من الشرفة.
وتوصل مباحث العجوزة بقيادة مدحت ميرغني والرائد محمد العشماوي رئيس مباحث العجوزة والرائد على عبد الرحيم رئيس مباحث المهندسين، إلى أن رجل الأعمال السعودي أيقظ مديرة منزل بليغ حمدي من نومها وطلب منها أن تساعده في البحث عن “سميرة”، وأخفى عنها أنها ألقت بنفسها من الشرفة، وأثناء البحث عثرت مديرة المنزل على جثتها في حديقة المنزل، وطلب منها “السعودي” أن تيقظ “بليغ” في الوقت الذي هاتف فيه أجد المستشارين وضابط سابق ليبلغهما بالحادث.
وحدت المباحث مقر سكن الثري السعودي عبد المجيد بمنطقة العجوزة، وتوصلا إلى شقة أخرى كان يستأجرها في منقطة الأهرام، وعثر أيضًا علا متعلقات “ٍسميرة مليان داخل حقيبة سفر كبيرة وأخرى صغيرة تحتوي على ملابسها وأدوات تجميل ولم يكن بداخلها ملابس داخلية.
خادمة الثري السعودي حميدة محمود الصاوي، ادلت بأقوالها للمباحث، وقالت، أنها اكتشفت أن “سميرة” لا تستعمل ملابس داخلية، وغيرت مديرة منزل “بليغ” أقوالها أمام الشرطة وقررت أن شخصا ما تربطه علاقة بالثري السعودي طلب منها عدم الزج باسم السعودي في أقوالها أمام النيابة، وأن تنفي معرفتها به خلال أقوالها أمام الشرطة أيضًا.
لا مومس ولا جارية
استعرضت لبنى برنيشي في كتابها “لا مومس ولا جارية – لفت إليه “مكاوي سعيد” في كتابه “القاهرة وما فيها”- ” تحليل شخصية والدتها “سميرة” ووصفتها بأنه لم تخضع لعادات التسلط الشرقي أبدًا، تحت أي إغراءات.
وروت “لبنى” أن والدتها كانت تحلم أن تصير مغنية منذ طفولتها، خاصة وأنها كانت تملك صوتًا جميلًا، لكن العائلة ظنت أنها تخلت عن حلمها بعدما انجبت “لبنى” عام 1978. دربت المغربية صوتها وسجلت كل محاولاتها لتحسين جودة صوتها إلى أن أنجبت ابنها “مهدي” عام 1981.
سعت المغربية لإيجاد منتج يتبنى صوتها أزعج وزجها، فانتهت خلافاتهما بالطلاق، وغادرت باريس إلى موطن الأصلي “المغرب” عام 1983 رفقة أولادها “لبنى” و “مهدي”.
التقت في المغرب بمنتج خليجي من أصول فلسطينية- حسبما ادعى- وأغراها بمعرفته بالعديد من المتخصصين في الفن بمصر.
ورت “لبنى” أن والدتها جاءت للقاهرة في 20 يناير 1984، وأثناء تسكعها بالقرب من منزل بليغ حمدي، انتهز المنتج الفرصة وصعدا إلى شقة “بليغ” وغنت “سميرة”.
وتنفى الابنة رواية انتحار والدتها لأنها حسبما تعرفها كانت محبة للحياة، بالإضافة إلى أن جثتها كانت سليمة، لم يكن بها أي كسور “فقط بعض العنف”، ترجح أنها قُتلت.
رواية الابنة في كتابها، تناقض ما توصلت إليه المباحث، قبل صدور تقرير الطب الشرعي، بأن سميرة مليان قد انتحرت.
- للقصــة بقية في الحلقات القادمة
- التقرير الأول: محنة بليغ حمدي (1)
- التقرير الثاني: محنة بليغ حمدي (2)