إذا انخفض منسوب النيل، تعلو وتيرة غلاء الأسعار ويزيد الوباء وتعم الفوضى البلاد، يُتعدى على موظفي الدولة، أي الوالي والمحتسب، وربما يُعزل السلطان المحتسب أو الوالي، إذا خرجت الأمور عن سيطرته، وقد يضطر الموظف بتقديم استقالته من نفسه.
يشرح قاسم عبده قاسم في كتابه “النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك”، أن الناس كانوا يربطون بين السلطان والحاكم وبين هذه الأحداث بمشاعر التفاؤل والتشاؤم، ففي عصر السلطان العادل كتبغا، وقعت مجاعة تبعها وباء تسبب في هلاك الكثيرين.
الحكومة القوية هي التي تستطيع ضبط المنشآت الخاصة، ونهر النيل، لتزداد كفاءة أجهزة الري، والضعيفة على العكس تمامًا، هكذا كانت الأمور مثلًا في عهد الظاهر بيبرس ومحمد بن قلاون.
وروى ابن تغريدي بردي في “النجوم الزاهرة، الجزء الثامن”، أن السلطان فشل في السيطرة على الحادثة فشلًا ذريعًا، فنفر منه الشعب والأمراء والمماليك “شهد عصره سلسلة من سنوات نقص النيل، وتبعها الغلاء والفناء”، تشاءم منه الناس. ووصف “ابن عبد الظاهر” في “تشريف الأيام والعصور”، أيام “كتبغا”: “شر أيام لما فيها من قصور مد النيل وغلاء الأسعار، وكثرة الوباء في الناس، وفي سنة 709 قصر نهر النيل عن الوفاء، واستشقى الناس وتبع ذلك الغلاء والمجاعة، فنسب الناس ذلك إلى سوء طالع الأميرين بيبرس وسلار، ونظموا أغنية تسخر منها تقول، سلطاننا ركين، ونائبنا دقين، يجينا الماء من أين هاتوا لنا الأغرج، يجي الماء ويتدحرج”.
صغّر الناس من “ركن الدين” لقب بيبرس الجاشنكير فأطلقوا عليه “ركين”، أما الأمير سلار أجردا كان في ذقنه شعيرات قليلة فأسموه في أغتيهم الساخرة “دقين”، أما “الأعرج” كانت حطًا من قدر الناصر محمد ابن قلاون، كان به عرج فأسموه الأعرج.
تهديد الملوك بالنيل
يبرهن “قاسم” في كتابه، أن النيل كان يؤثر في سياسة مصر الخارجية، إذ لجأ ملك الحبشة سنة 726 هجريًا، إلى التهديد، بعث برسالة يطلب من الناصر محمد بن قلاون، يطلب منه إعادة أعمار ما دُمر من كنائس مصر وأن يعامل المسيحيون في مصر بالحسنى، وإلا سيخرب المساجد في بلاده، وسيمنع النيل من السريان إلى مصر.
لم يلق “قلاون” بالا بهذا التهديد، وفي 847هجريا، تكرر الأمر، أرسل ملك الحبشة إلى السلطان تهديدًا آخر، بقطع النيل، إذا لم تتوقف عملية اضطهاد المسحيين المصريين، جاء في نص الرسالة “وليس بخفي عليكم، وعلى سلطانكم أن بحر النيل ينجر إليكم من بلادنا، ولنا الاستطاعة أن نمنع الزيادة التي تروى لها بلادكم عن المشي إليكم لأن لنا بلادا انفتح لها أماكن فوقاتية، ينصرف منها الماء إلى أماكن أخرى قبل أن يجئ إليكم ولا يمنعنا من ذلك إلا تقوى الله عز وجل”.