عندما أصدر آية الله الخوميني فتواه الشهيرة بإهدار دم الكاتب الهندي سلمان رشدي بسبب روايته “آيات شيطانية” جاء مندوبون من بعض الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية من شتى أنحاء العالم ليتعرفوا على رأيه في هذه القضية، وسجل أكثر من 12 حديثًا عن هذه الواقعة.
سُأل نجيب محفوظ عن رأيه في الرواية، فقال: “لم أقرأها وليكن سؤالكم ما رأيك في رئيس دولة يهدر دم كاتب في دولة أخرى لأنه أبدى رأيا مخالفا في عقيدة مشتركة؟، أن ما فعله الخوميني ضد الإسلام وضد القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، وللكاتب كل الحرية في أن يقول رأيه، والفكر يرد عليه بالفكر وليس بالرصاص”.
بعدها، قرأ نجيب محفوظ ما كتبه أحمد بهاء الدين وعرف أن “آيات شيطانية” رواية وليس كتابا كما كان يتصور، وأن بها تجديفا وشطحات شرحها “بهاء الدين” في صورة شاملة عميقة جعلت “محفوظ” يعيد النظر في المسألة.

الكاتب الهندي مع كتابه المثير للجدل
نجيب محفوظ يطالب سلمان رشدي بإعلان توبته
أجرى “محفوظ” حوارا مع “بي بي سي” الإنجليزية، وقال رأيا جديدًا بناء على المعلومات التي استقاها من الرواية، وملخص ما قاله هو أن ما كتبه سلمان رشدي يدخل تحت بند السب والقذف وعليه أن يتوب، والإسلام يقبل التوبة إذا كانت صادقة مخلصة، وهذا ليس معناه مصادرة حرية الفكر، فما كتبه في روايته كان من منطلق حرية الفكر، وتراجعه سيكون من نفس المنطلق.
سأل المحاور نجيب محفوظ، ولماذا تنصح سلمان رشدي في مخبئه؟، فأجابه: “من الصعب أن أوجه نصيحة لكاتب من المفروض أنه من قادة الفكر، فالأمر يرجع في الأساس إلى ضميره، فإذا كان متمسكا بآرائه التي احتوتها الرواية، فليس عندي نصيحة، ولا أستطيع أن أجبره على تغييرها، أما إذا شعر بخطئه وندمه، ففي هذه الحالة أوجه له هذه النصائح: أن يعلن توبته كما يطلب منه، أو أن يمنه ما استطاع ترويج الرواية أو أن يتبرع بأرباحه منها لإحدى الجهات الإسلامية”. حبسما جاء في مذكرات نجيب محفوظ التي نشرها الكاتب والناقد رجاء النقاش بعنوان “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”، الصادر عن دار الشروق.
استغلال رأي نجيب محفوظ عن سلمان رشدي
أوضح نجيب محفوظ في مذكراته أن بعض الكتاب في مصر حاولوا استغلال رأيه الأول الذي قاله في القضية قبل أن تتضح الصورة بالنسبة له، ومنهم من حاول تشويه كلامه والهجوم عليه مثل فهمي هويدي، ولم يشفع له رأيه الأخير المبني على ملعومات صحيحة، وهو آخر أرائه في تلك القضية، مضيفًا: “وفي حدود علمي بالشريعة الإسلامية لا يجوز تنفيذ حكم القتل في المرتد إلا إذا استتابه أولو الأمر، فإن تاب ورجع يُلغى حكم القتل، وتكون توبته مقبولة، ولذلك اعترضت على تصريح المرشد الجديد لإيران على خامئني الذي أكد فيه أن فتوى الخويمني قائمة ولن تلغى، واعتراضي مبني على عدة أسباب”.
شرح أديب نوبل أسبابه، قوال، أنه حكم متعسف وغير إسلامي لأنه يقفل باب التوبة، واستشهد بآية :”قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا”، وأشار إلى أن التاريخ الإسلامي يحكي قصة السيدة التي ذهبت إلى النبي واعترفت بارتكابها جريمة الزنى فحاول أن يراجعها ويجعلها تعيد التفكير في اعترافها، وأضاف: “هذه هي سماحة الإسلام التي نفهمها”.

مذكرات نجيب محفوظ
وتابع ثانيا: “أن الذين أصدورا حكمهم على الرواية وشنوا الحملة على صاحبها لم يقرأوها، وبنوا حكمهم على تلخيصات لها، أو على حكم الآخرين عليها، والمنطق يقول أنه كان عليهم أن يقرأوا الرواية ويفهموا مغزاها جيدا ويردوا على صاحبها”، و أضاف “محفوظ”: “أن الإسلام طالما تعرض لحملات افتراء وتشويه ولم تزده هذه الحملات إلا قوة وصلابة، وفي رأيي أن الفكرة السليمة إذا تعرضت لهجوم تزداد قوة في نفوس معتنقيها، خاصة عندما تكون حجج واهية، والدفاع عنها مبينا على براهين ساعة واضحة، رابعا، أن سلمان رشدي في حدود علمي أعلن صراحة إسلامه وأسفه على ما بدر منه، ومن ثم تكون توبته مقبولة، فالإسلام لا يحاسب على النيات”.
نجيب محفوظ يطالب بمقاطعة دور نشر كتاب سلمان رشدي
وفي العدد الصادر من جريدة “الأهرام” 2 مارس 1989، كتب نجيب محفوظ مقالًا: بعنوان: “حقيقة أقوالي عن كتاب سلمان رشدي”، قال: ” تلقيت سيلا من الأسئلة من صحفيين وإذاعيين فاق عددهم الحد، جميعهم أجانب، وقد نشرت أقوالي في الإذاعة والتلفزيون والصحافة دون متابعة منى وبدون أدنى شك في تحريف أقوالي، واطلعت بعد ذلك في صحفنا على إشارات من أقوالي جاءت على أحوال بعضها صادق في وإيجاز شديد، وبعضها صادق وتم تأوليه تأويلا عدائيا ولكل رأيه وتأويله، والبعض اختصر بصورة بعيدة عن واقعة فتبلوره في صورة اتهام ظالم لا يتفق مع خلق الإسلام”.
لفت “محفوظ” في مقاله أو “بيانه” إلى أنه بدأ أحاديثه الصحفية بأنه لم يطلع على كتاب سلمان رشدي ولا يعلم ما جاء فيه، لذا لا رأي موضوعي له فيه.
وأكد أنه أدان رأي الزعيم الخوميني وأدانه من ناحية اختراقه للعلاقات الدولية وخروجه على الإسلام فيما يتعلق بالمرتد، وضرب بالأزهر مثلا في تصديه للكتاب للرد عليه في كتاب آخر.
وأكد أنه أيد في المناقشة مقاطعة الكتاب أو مصادرته حفاظا للسلام الاجتماعي بشرط ألا يتخذ ذلك ذريعة لقهر الفكر، وقال أنه أيد مطالبة الأزهر لمنع طبع رواية “أولاد حارتنا” طالما أن رأيه لم يتغير فيها، وأضاف: “أيدت لمحدثي أن كتابي ليس فيه ما يمس الأديان أو الرسل وأن الربط بينه وبين كتاب سلمان رشدي خطأ بالغ، وأني كبير الأمل في أن أوضح للمعترضين عليه وجه الحق فيه”.

نجيب محفوظ
وسرد أديب نوبل، أنه في آخر حيدث بتاريخ 28 فبراير 1989 مع التلفزيون السويسري كان قد قرأ حقائق جديدة عن الكتاب، قال: “فعرفت والعهدة على الكاتبين سب وقذف لم يجر بمثله قلم من قبل”، وقال “محفوظ” للمذيعة، إذا صح ذلك فإن الكتاب يكون تحت مستوى المناقشة، وأنه كأي فعل خارج عن حد القانون والأدب فمخاصمته تكون في المحاكم أو في اتخاذ الاجراءات الرادعة على مستوى العلاقات الدولية وإذا كان احترام حقوق الإنسان يصون للمفكر فكره فيبج أيضا أن يصون للناس مقدساتهم ولو في حدود الذوق والأدب”.

نجيب محفوظ – جريدة الأهرام- 28 فبراير 1989
وأكمل “محفوظ” بيانه شارحًا موقفه: “وأني أدرك الآن أنه إذا كان رشدي قد انحرف بخياله فإن المسلمين أساءوا التصرف بالمظاهرات وحرق الكتاب واهدار الدم، مما قلب الوضوع فجعل من المجرم ضحية ومن الضحية متهما”.
واقترح لتخفيف المسألة، أن تعلن الدول الإسلامية رفضها للإرهاب وإهدار الدماء باسم الإسلام، وأن تطالب الدول باحترام الديانات والمقدسات لدى الشعوب مع عدم التعرض لحرية البحث العلمي القابل للمناقشة، وأن تقاطع دور النشر التي تتولى نشر الكتاب“.
تعرض “رشدي” للاعتداء في ولاية نيويورك، اليوم، أثناء استعداده لإلقاء محاضرة في غرب نيويورك، حيث اقتحم شخص المسرح في مؤسسة “تشوتوكوا” ولكم “رشدي” وطعنه في رقبته.
This: Author Salman Rushdie reportedly attacked in New York. He was schedule to speak at a @chq event. Video : @CharlieSavenor pic.twitter.com/OqfeiUQRUD
— Zeba Warsi (@Zebaism) August 12, 2022
ونقل “رشدي” إلى المستشفى بطائرة هليوكوبتر للعلاج، ولا أخبار مؤكدة عن حالته الصحية إلى الآن.